مع تصاعد عنفوان حركة «طالبان» وتزايد تقدمها وتعهدها بإقامة إمارة إسلامية متشددة، تظهر بوادر قلق في باكستان بشأن مخاطر انتصار صريح لـ«طالبان» على الولايات المتحدة والحكومة في كابول. وربما تغير الأطراف المحورية في إسلام آباد تفكيرها في الوقت الذي تحسب فيه حساب احتمالات قيام دولة بقيادة «طالبان» صديقة نسبياً في مقابل خطر اندلاع حرب أهلية من جديد وحدوث عدم استقرار في أفغانستان وخروج جماعي للاجئين وظهور رعيل من المتشددين الباكستانيين الأكثر جرأة. ويرى «اسفنديار مير»، الخبير في العنف السياسي في مركز الأمن والتعاون الدولي بجامعة ستانفورد، أن «باكستان تريد استيلاء طالبان على السلطة كتتويج لاستراتيجية طويلة الأمد لعودة نفوذ طالبان. لكنها في الوقت نفسه قلقة.

لدى الباكستانيين بالتأكيد فيما يبدو بعض الندم وبعض المخاوف التي بدأوا يعبرون عنها بشكل متزايد». وأحد مخاوف باكستان، بحسب قوله، إن «اعتماد طالبان عليهم (الباكستانيين) سيتقلص» وأصبح لدى مسؤولي باكستان انطباع بأن «طالبان» الحالية «أصعب في السيطرة عليها» عما كانت عليه في الماضي. والقلق الأكبر لباكستان هو التأثير التحفيزي لصعود «طالبان» على المتمردين الباكستانيين، أي جماعة «تحريك طالبان باكستان» التي لها علاقات وثيقة بحركة «طالبان» الأفغانية والتي جددت في الآونة الأخيرة حملة للإطاحة بالدولة الباكستانية.

وذكرت تقارير أن قيادات في الاستخبارات والجيش قدموا شهادة لمشرعي باكستان قالوا فيها، إن طالبان وجماعة «تحريك» التي استهدفت في الآونة الأخيرة عدداً من مسؤولي الجيش والاستخبارات الباكستانية هما وجهان لعملة واحدة. وصرح مسؤول باكستاني بارز لصحيفة وول ستريت جورنال متحدثاً عن تقدم «طالبان» قائلاً «متطرفونا سيتزايدون جرأة.

سيقولون إنه إذا كان من الممكن إلحاق الهزيمة بأميركا، فما معنى وقوف الجيش الباكستاني في طريقنا؟» وذكر «مير» -من جامعة ستانفورد- أن جماعة «تحريك طالبان الباكستان» صعدت عنفها ضد باكستان وضربت أهدافاً عسكرية في الفترة الممتدة من الشهور الستة إلى الاثنى عشر شهراً الماضية. وأضاف «ربما قللت باكستان من أهمية احتمال تزايد جرأة المتمردين الإسلاميين داخل البلاد، إذا استولت طالبان على السلطة في أفغانستان. ونظراً إلى الهجمات التي صعدتها تحريك طالبان باكستان، فهذا الواقع بدأ يتضح بجلاء».

وتسيطر «طالبان» الآن على أكثر من نصف المراكز الإقليمية التي تزيد على 400 في أفغانستان، ومعظم هذه السيطرة فرضتها منذ يونيو، لكنها لم تفرض سيطرتها على أي من عواصم الأقاليم. وذكرت الأمم المتحدة في الأيام القلية الماضية أن 5183 مدنياً قتلوا أو أصيبوا في الشهور الستة الأولى من هذا العام، بزيادة 47% عن الفترة نفسها من العام الماضي. وضغطت الولايات المتحدة وروسيا والصين على باكستان لإقناع «طالبان» بألا تتقدم نحو كابول وتتوصل بدلاً من هذا إلى حل سياسي.

وفي مارس، أصدرت الدول الأربع بياناً مشتركاً يعارض «قيام إمارة إسلامية من جديد» وهو الاسم الذي اختارته طالبان لدولتها حين حكمت البلاد في نهاية تسعينيات القرن الماضي، وهي الدولة التي لم يعترف بها إلا باكستان. ورفضت طالبان البيان ووصفته بأنه «يناقض كل المبادئ وغير مقبول». وفي 19 يوليو، زار زلماي خليل زاد، المبعوث الأميركي لأفغانستان، إسلام آباد واجتمع مع رئيس الاستخبارات الباكستانية ومسؤولين كبار.

وأعلن رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان أن بلاده ارتكبت في الماضي خطأ بمفاضلتها بين الأطراف المتحاربة في أفغانستان، أما الآن، فليس لديه طرف تفضله على الآخر. وبعد الاجتماع، صرح خليل زاد أن عدم الاستقرار سيواجه باكستان بتحديات خطيرة. وقبل ذلك بأيام فحسب، فشلت محاولة باكستان في الجمع بين زعماء أفغان كبار- من بينهم الرئيس أشرف غني والرئيس السابق حامد كرزاي- وزعماء كبار من «طالبان»، في إسلام آباد للتوصل إلى صفقة لتقاسم السلطة. ولطالما شكت كابول مر الشكوى على مدار سنوات من دعم باكستان لـ«طالبان»، لكن على الرغم مما عبرت عنه باكستان من القلق تجاه انتصارات «طالبان» لكنها لم تفعل شيئاً ذي معنى لتقييدها. وترى «كارلوتا جال»، مراسلة «نيويورك تايمز» في أفغانستان وباكستان لأكثر من عقد من الزمن، أن هناك مسعى كبيراً لحشد المقاتلين في الشهور القليلة الماضية في المناطق القبائلية الباكستانية، وفي مناطق البشتون حول جنوب أفغانستان في بلوخستان.

 وحذرت المحللة السياسية «أورزالا نعمة» المقيمة في كابول من الخطر الذي «سيتخطى حدود أفغانستان إلى باكستان وإيران ومناطق أخرى، إذا أحكمت طالبان سيطرتها».

*صحفي أميركي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»